” لا ترتعبن . تطلبن يسوع الناصري الذي صلب . قد قام “
* موعظة عيد القيامة لسيادة راعي الابرشيه بعنوان
” لا ترتعبن . تطلبن يسوع الناصري الذي صلب . قد قام “
مار افرام شفيع كنيستنا السريانية في مدراش من صلاة الليل – العددان الثاني
من عيد القيامة يضع في فم الكنيسة هذه الشهادة عن حبها وتعلقها بالمسيح :
” بين صفوف الصالحين
رأيته مهانا
وعلمت انه بسببي ومن اجلي يتألم .
ركعت وسجت له
أحببته وناجيته
تركت أهلي وهمت بحبه .
فإذا ما النار طالتني والتهمتني
وإذا ما السيف المع وقتلني
لن يتمكنا من إخماد حبي ” .
التأصل في المسيح
كلمات هذه القصيدة الإيمانية المرتلة لا يمكن إلا أن تعيدني إلى قصيدة مماثلة خرجت من قلب بولس في رسالته إلى مسيحي روما (8 : 35– 3 ).
” من يفصلنا عن محبة المسيح .
أشدة, أم ضيق, أم اضطهاد, أم جوع, أم عري, أم خطر, أم سيف ؟
إني واثق بأنه لا موت ولا حياة .
لا ملائكة ولا أصحاب رئاسة .
ولا حاضر ولا مستقبل .
ولا قوات
ولا علوّ ولا عمق .
ولا خليقة أخرى..
تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا “.
قلب بولس , منذ أن ناداه صوت يسوع على طريق دمشق , دخل في علاقة شخصية حميمة مع يسوع , وصار يسوع له كل شيء , وكل يوم أكثر فأكثر , أعمق فأعمق حتى قال : وكان يقصد ويعيش ما يقول :
” حياتي هي المسيح ” (فيليبي1 : 21 ) . أو المسيح هو حياتي , كما يقول غيره : أنت عمري . أنت حياتي .
لقد قبض المسيح على بولس , وبذلك أصبح المسيح كل شيء لبولس , وما سواه خسارة ولا شيء : يقول لأبنائه مسيحي فليبي , وكانت تربطه بهم مودة خاصة:
” لقد قبض على يسوع المسيح ..
إن كل ما كان لي من ربح (ويقصد مكانته وموقعه السابق في المجتمع اليهودي كفريسي ناشط) وقد عددته خسرانا من اجل المسيح . بل اعد كل شيء خسرانا من اجل معرفة يسوع المسيح ربي 0. وعددت كل شيء لغاية لاأربح المسيح وأكون فيه ” فيليبي (3 : 12, 7 – 8 ).
مثل هذا الموقف يجعل الرجل مستعدا لكل شيء من اجل المسيح . حتى أن يبذل نفسه وحياته من اجله : أليست قمة الحب أن يكون الإنسان مستعدا لبذل حياته من اجل من يحب : “ما من حب أعظم من هذا أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبائه “
“من يفصلني عن محبة المسيح ..لا موت ولا حياة .. ولا .. ولا.. “.
التأمل بإيماننا عبر الألم
2 – أيها الإخوة والأخوات .
أمام هذه الأقوال الصادرة عن قلوب مشتعلة بالإيمان والحماس والتعلق . قلب بولس وقلب أفرام .. نصاب بلحظات تهيب وصمت للتأمل .
للتأمل بإيماننا نحن . بتعلقنا بالمسيح , بأمانتنا اليوم في ظروفنا الصعبة لشخص المسيح , لمسيحيتنا , لانتمائنا إلى الكنيسة .. عبر آلامنا ومعانياتنا .
أعود إلى بولس لأسمعه يخاطبنا في وسط محننا وآلامنا ومعانياتنا وخوفنا من المستقبل . في وسط ألعصفة التي نعيشها في العراق منذ أشهر : يخاطبنا نحن المسيحيين مسيحي العراق ألعراق اليوم : ” انه انعم عليكم بالنظر إلى المسيح .
لا أن تؤمنوا به حسب . بل أن تتألموا من اجله ” (فيليبي 1 : 29 – 30).
لقد تعرضنا لرجات في إيماننا
تعرضنا لمضايقات في أرزاقنا
تعرضنا لهجمات في إيماننا ومعتقداتنا
تعرضنا لتجريحات في اسمنا المسيحي وتشكيكات في إنجيلنا .
تعرضنا لغبن في حقوقنا كمواطنين
تعرضنا لمعاكسات وتقليص في مصالحنا
وتعرض أناس منا للقتل والسرقة والملاحقة والاختطاف .. نلنا حصتنا من كل ذلك.
السنا أبناء الشهداء والمعترفين في هذه الأرض عبر الأجيال !
نحن أبناء كنيسة المعترفين . كما كتبت لبعض الأصدقاء بمناسبة حادثة اختطافي . ولكن:
من صبر إلى المنتهى فذاك يخلص ” .
قد لم يأتي المنتهى بعد ولكن يسوع يقول لنا أيضا :لا تخافوا . ثقوا أنا غلبت العالم . سأكون معكم إلى انقضاء العالم . بعد الجمعة هناك احد القيامة . لا ننسى ذلك أبدا . وبطرس نفسه يشدد من عزيمتنا إذ يقول ما قاله للمسيحيين الأولين الذين كانوا معرضين لظروف مشابهة لظروفنا اليوم.
” إذا تألمتم من اجل البر فطوبى لكم !
لا تخافوا وعيدهم ولا تضطربوا
بل قدسوا الرب المسيح في قلوبكم
وكونوا دائما مستعدين لان تردوا على من يطلب منكم دليل ما انتم عليه من الرجاء . وليكن ذلك بوداعة ووقار . وليكن خميركم صالحا .
فخير لكم أن تتألموا وانتم تعملون الخير.
من أن تتألموا وانتم تعملون الشر . (1بط 3: 14- 17 ).
وبعد اسطر من الرسالة ذاتها يوضح بطرس كلماته :
” لا يكونن فيكم من يتألم لأنه قاتل
أو سارق
أو فاعل شر
أو واش
ولكن إذا تألم لأنه مسيحي فلا يخجل بذلك (1بط 4: 15- 16 ).
الألم طريق الحياة
3 – ولكننا أيها الإخوة والأخوات , لسنا من المتلذذين بالألم : الألم مطهر . نعم . الألم امتحان . نعم .الألم مؤلم . نعم .ولكنه يمكن أن يتحول إلى خبرة إيمانية غنية : في اختطافي أخذت خبرة إيمانية عميقة .
في الاستسلام لله
في ممارسة الرجاء
في فهم ما معنى الصلاة وقوتها الفاعلة
في قبول تضحية الذات من اجل حياة الآخرين .
لأننا في النهاية, كلنا مدعوون إلى الحياة, إلى المجد:
بقول مار بولس في رسالة إلى أهل رومية:
“أرى أن آلام الزمن الحاضر لا تعادل المجد الذي سيتجلى فينا”.
(رو8: 18).
فإذا تألمنا معه فسنتمجد معه أيضا
خاتمة قيم القيامة
4 – أليست هذه هي قيم الفداء و القيامة:
فالفداء هو قبول الموت من اجل حياة الآخرين
هو قبول الألم كأداة تطهير وبراره
هو اجتياز النفق للعبور إلى النور
هو حمل الصليب من اجل الخلاص بحب مع يسوع
والقيامة هي النصر الذي يؤتيه الله بعد الصليب
القيامة هي عدم الرضوخ لقوى الموت , لقوى الشر .
هي رفض اليأس, أو البقاء في المرارة .
هي تجاوز الحقد والكراهية لبناء جسور التفاهم
هي التجدد الدائم – هي الرجاء المتجدد.. هي تجاوز المحنة للاستمرار نحو الأمام . هي انتصار الحياة والحب والفرح وسلام النفس.
فهنيئا لكم, لنا جميعا, بقيامة المسيح التي تحمل لنا اليوم كل هذه النعم .. ألينا كأفراد, كاسرة مسيحية, كشعب مسيحي, ككنيسة, كنيسة العراق .
وبإيمان وقناعة وتمسك بأرضنا نحمل هذه القيم إلى شعبنا العراقي, نحمل فرح القيامة, بشرى القيامة إلى جيراننا, إلى أصدقائنا, إلى العراق كله .
وكل عام وانتم في مجد القيامة آمين .